رجال في ذاكرة التاريخ1- صالح منصر السييلي: توارى في البحر وقد يعود إلى البر2- حمزة محسن السقاف: من صوت حضرموت إلى «صوت العرب»«الأيام» نجيب محمد يابلي:
1- صالح منصر السييلي:الميلاد والنشأة...صالح منصر السييلي من مواليد منطقة «برع السدة» بالمكلا، حاضرة السلطنة القعيطية لحضرموت عام 1945م، وهو من المجايلين لعبدالله صالح البار، حسبما أفادني صديقي الأديب والكاتب المعروف فريد بركات. نشأ السييلي في حواري «برع السدة» وتلقى دروسه الأولى بين الكُتاب (بضم الكاف وفتح وتضعيف التاء).
السييلي في سجل المدرسة الوسطى بغيل باوزير
تشير وثائق إدارة المعارف القعيطية إلى أن صالح منصر السييلي كان أحد خريجي المدرسة الوسطى بغيل باوزير التي افتتحت عام 1944م، ومن خريجيها أيضاً: محمد سعيد مديحج، حيدر أبوبكر العطاس، فرج بن غانم، فيصل بن شملان، عبدالله صالح البار، سعيد عبدالله باعنقود، عبدالقادر باحشوان، محمد عبدالقادر بافقيه، عبدالرحمن بافضل، سالم عمر بكير، سعيد عبدالخير النوبان، أحمد عمر بن سلمان، محمود سعيد مدحي، عمر أحمد الشاطري ومحمد عبدالله باشراحيل.
السييلي يشد الرحال إلى الكويت
احتضنت أرض الكويت قادمين من عدة مناطق عربية، وتشكلت فيها قناعات وقيادات، ومن جنوب اليمن جاءها علي بن عقيل ومحمد عمر الكاف (حزب البعث) وعلي عنتر وصالح منصر السييلي (حركة القوميين العرب) وعبدالله عبدربه مجلبع عولقي (حزب الرابطة).
حمل السييلي معه إلى الكويت خلفية دراسته في المدرسة الوسطى بغيل باوزير، التي تأثرت بالنظام التعليمي السوداني الحصيف، وهناك في الكويت بدأ السييلي سني خبرته العملية الأولى وتكوينه السياسي الذي شكلته حركة القوميين العرب التي حققت انتشاراً إلى جانب حزب البعث العربي الاشتراكي وتنظيم الإخوان المسلمين.
أمضى السييلي ست سنوات ونيفاً في الكويت، وكانت مدخلاً للبناء الذاتي الذي أهله فيما بعد لخوض النشاطات السياسية والحزبية بعد عودته إلى الوطن، الذي سخنت ساحته عام 1967م الذي شهد مخاض ولادة قادمة.
العودة إلى الوطن وبداية المشوار
عاد صالح منصر السييلي إلى أرض الوطن من الكويت عام 1967م والتحق بصفوف الجبهة القومية في جبهة حضرموت حتى نيل المحافظات الجنوبية والشرقية استقلالها في 30 نوفمبر 1967م، عمل السييلي بعد ذلك في إطار محافظته وانتقل إلى دائرة الضوء في العام 1970م عندما عين مأموراً لمديرية القطن بحضرموت، ثم خلف علي سالم البيض محافظاً لحضرموت خلال الفترة 1972- 1975م واتسمت فترة مسؤولية البيض والسييلي بالراديكالية التي عكستها حدة مزاج المرحلة آنذاك التي استنسخت من الثورة الثقافية في الصين.
السييلي في دائرة الضوء الحزبي
انتقل صالح منصر السييلي إلى دائرة الضوء الحزبي اعتباراً من المؤتمر العام الخامس للتنظيم السياسي الجبهة القومية عام 1972م، والمؤتمر العام السادس للتنظيم في مارس 1975م، والمؤتمر العام السادس للتنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية في اكتوبر 1975م، بعد وحدة الفصائل الثلاث الجبهة القومية وحزب الطليعة الشعبية والاتحاد الشعبي الديمقراطي، وكان السييلي في قوام أعضاء اللجنة المركزية.
احتفظ صالح منصر السييلي بعضويته في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني بعد انعقاد مؤتمره التأسيسي خلال الفترة 11-13 أكتوبر 1978م، وتم تصعيده إلى المكتب السياسي لاحقاً في المؤتمر الثاني للحزب، واحتفظ بعضوية المكتب السياسي في المؤتمر الثالث والكونفرنس الحزبي الذي عقد بعد أحداث يناير 1986م.
السييلي رجل التأهيل الذاتي
ما من شك أن هناك جوانب سلب وإيجاب لدى أي شخص، لأن الكمال لله وحده، ومن جوانب الإيجاب لدى صالح منصر السييلي أنه سعى حتى وهو في كرسي المسؤولية إلى تطوير مؤهله وتوسيع مداركه، وتمكن بجهوده الذاتية من نيل الشهادتين الثانوية العامة وبكالوريوس في الاقتصاد والإدارة من جامعة عدن مستغلاً إحدى قدراته البارزة ألا وهي تنظيم وقته.
السييلي في مواقع المسؤولية
عرك صالح منصر السييلي المسؤولية من مواقع حزبية ورسمية عدة، فقد شغل المسؤولية في سكرتارية اللجنة، وشغل منصب وزير أمن الدولة خلال الفترة 1982- 1985م (في عهد الرئيس علي ناصر محمد) بعد تعيين محمد سعيد عبدالله محسن سفيراً في المجر.
يحسب للسييلي أثناء شغله لوزارة أمن الدولة أنه كسر حاجز الغموض والرعب عنه، وكان يظهر في الاحتفالات العامة مبتسماً على الدوام ومشاركاً ماهراً في الرقص الشعبي، وحدد لنفسه اتجاهاً واضحاً هو البساطة في السلوك والصرامة في القرار، ولذلك لم يفصله حاجز عن الناس في كل المراحل.
وبعد أحداث يناير 1986م المؤسفة شغل صالح منصر السييلي منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، وفي فترة ولايته شهدت العلاقات مع المحافظات الشمالية انفراجاً كان من ثمراته حركة المواطن اليمني بين الشطرين بإبراز البطاقة الشخصية فقط. شغل السييلي ذلك المنصب حتى قيام دولة الوحدة في 22 مايو 1990م.
السييلي في أول مجلس وزراء وحدوي
شغل صالح منصر السييلي منصب نائب رئيس الوزراء وزير شؤون المغتربين في أول مجلس وزراء لدولة الوحدة اليمنية برئاسة م. حيدر أبوبكر العطاس، وشغل السييلي ذلك المنصب مدة عامين ونيف، وصدر بعد ذلك قرار رئاسي بتعيينه محافظا لعدن واستمر يمارس مهام منصبه حتى انفجار الأوضاع في صيف 1994م بين الشريكين الصانعين للوحدة.
وضعت الحرب أوزارها في 7 يوليو 1994م، وشهدت عدن وحضرموت نزوحاً كبيرًا لبعض قيادات الحزب الاشتراكي والمتحالفين معه في الحرب، وكان صالح منصر السييلي آخر النازحين من عدن وشوهد وهو يستقل إحدى السفن في اتجاه الشرق الافريقي، وانقطعت أخباره منذ ذلك الحين، ولا يوجد دليل أنه لقي حتفه غرقاً كما لا يوجد دليل على ظهوره في أي بلد.
السييلي رجل قرار لا يشق له غبار
يحسب لصالح منصر السييلي أنه كان رجل قرار، وكان لا يتراجع عن قراره ولا يقبل أن يكون قراره مائعاً، كان يتمتع بالحنكة الإدارية وتمثل ذلك من خلال حسن إصغائه للأطراف المعنية بالمشكلة ويطلب تصوراً بالمخارج يحدد التزامات المحافظة مثلاً والتزامات الطرف الآخر ربما يكون مؤسسة حكومية أو غير حكومية.
في حالة التوصل إلى رؤية مشتركة يدعو الطرف الآخر إلى توقيع محضر اتفاق بالالتزامات وبجدول زمني للتنفيذ، وكان دائماً ما يسأل ما هي المعوقات التي تحول دون تنفيذ ما نتطلع له؟ إذا قيل له المال وفّره، وإذا قيل له أحد العسكر اقتلعه، وبالمقابل كان لا يتهاون مع من يضحك عليه، لأنه وقع على محضر اتفاق مع طرف رسمي احترم كل الالتزامات التي قطعها على نفسه في سياق المحضر.
2- حمزة محسن السقاف:النشأة والانطلاقة من بيت علم...استضاف الزميل سند بايعشوت الأستاذ حمزة محسن علوي شيخان السقاف في حوار نشرته «الأيام» في عددها الصادر في 5 نوفمبر 2002م، وعزمت على تلخيصه وعرضه ضمن حلقات رجال في ذاكرة التاريخ.
حمزة محسن السقاف من المجايلين للدكتور عبدالرب إدريس، أي أنه من مواليد المكلا في أواخر ثلاثينات القرن الماضي، ونشأ في بيئة علمية فوالده محسن السقاف وعمه محمد السقاف من خريجي مدرسة الدباغ في المكلا، التي كانت تعتمد منهجاً تعليمياً عراقياً/ مصرياً، ومن قامات جيل والده وعمه: الشيخ سعيد عوض باوزير والسيد حسين بن محمد البار والشيخ عمر محمد باحشوان.
حمزة السقاف من خريجي المدرسة الأهلية
تلقى حمزة محسن السقاف دراسته في المدرسة الأهلية بالمكلا التي أسسها والده محسن علوي شيخان السقاف وعمه محمد، اللذان تلقيا دورة للتأهيل على يد الشيخ القدال، أحد رواد المعارف في السلطنة القعيطية. اعتمدت المدرسة الأهلية نظام التعليم الشامل، أي دمج المرحلتين الابتدائية والإعدادية، حيث كان الطالب يدرس لأربع سنوات في المرحلة الابتدائية ثم أربع سنوات أخرى في المرحلة الإعدادية، وكان خريج المدرسة شمولي المعرفة والاهتمامات، وكانت السلطات المصرية تعتمد شهادة المدرسة الأهلية التي تؤهل حاملها لدخول المدرسة الثانوية هناك.
حظيت المدرسة بتعاطف نسبي من الدولة وخاصة خلال الفترة التي تولى فيها الأستاذ محمد عبدالقادر بافقيه إدارة المعارف في السلطنة القعيطية، ومن خريجي المدرسة الأهلية: حمزة السقاف وشقيقه د. عباس والأستاذ محمد سالم باشريف والسيد حسين محمد بن الشيخ أبوبكر والشيخ محمد محفوظ بالي والشيخ علي سعيد بكير والدكتور عبدالرب إدريس وغيرهم.
رُبّ ضارة نافعة
حمل شهر نوفمبر 1966م، بشرى خير أسعدت حمزة السقاف على أنقاض صراع حاد في صفوف نقابة المعلمين، حيث وقف حمزة السقاف في صف المستقلين داخل النقابة فيما تزعم فيصل العطاس جناح الجبهة القومية، وكانت الساحة ساخنة. تلقى حمزة السقاف إخطاراً بترشيحه لدورة تدريبية في الإرشاد الزراعي في مصر عن طريق المجلس البلدي المحلي المنتخب.
تردد السقاف في بادئ الأمر، إلا أن الشيخ سالم عبدالله بامطرف وعبدالعزيز القعيطي وحسين بن سميط، الذين سبق لهم السفر إلى القاهرة أقنعوه بضرورة القبول، فوجد حمزة السقاف أن تلك الدورة أنقذته من براثن ذلك الصراع النقابي، الذي حسم بإغلاق مقر النقابة بالشمع الأحمر.
من الإرشاد الزراعي إلى الإرشاد القومي
لم تتوفر الرغبة لدى حمزة السقاف في الإرشاد الزراعي، ونجحت الوساطات بتغيير الدورة الى الإرشاد القومي، وتأهل السقاف في دورة الإرشاد القومي وحصل بعد ذلك على دورة أخرى في معهد الإذاعة مع زملاء عرب آخرين يكبرونه سناً، وكان من ضمن المحاضرين الأساتذة محمد حمود شعبان (بابا شارو) وعبدالحميد الحديدي، أحد مؤسسي إذاعة القاهرة في الثلاثينات من القرن الماضي، وإبراهيم إمام وأحمد سعيد، مدير إذاعة صوت العرب، وكان السقاف دائم الجدل مع أحمد سعيد وجنى فائدة من وراء ذلك.
من «إذاعة الشعب» إلى إذاعة «صوت العرب»
كان حمزة السقاف يتدرب في إذاعة الشعب (وهي إذاعة إقليمية) على يد الإعلامي المشهور الأستاذ فاروق خورشيد، إلا أن الأستاذ الكبير أحمد سعيد التقطه من بين المتدربين في معهد الإذاعة، وكان السقاف يقدم نشرة الأخبار من إذاعة الشعب وكان الأستاذ خورشيد هو أستاذه الأول.
بناء على رغبة الأستاذ أحمد سعيد، عمل حمزة السقاف في إذاعة «صوت العرب» مع أساتذة كبار بحجم محمد عروق وسعد زغلول نصار ومحمد أبو الفتوح، وتواصل عمل حمزة السقاف مع «صوت العرب» لمدة 7 سنوات كان يقدم خلالها (حديث الشعب) مرتين أسبوعياً وكان موجها إلى منطقة الجنوب العربي قبل الاستقلال، وهناك برنامج آخر يذاع واسمه (الجنوب الثائر) إلى جانب برنامج (الخليج العربي)، وبعد الاستقلال تحول البرنامجان إلى برنامج (جزيرة العرب).
من الأوقات الحرجة والعزيزة على النفس كانت فترة الصراع المرير بين الجبهة القومية وجبهة التحرير، وانتهج السقاف خطاً محايداً يتوخى الصالح الوطني بلم الشمل، وعندما تفجرت الأوضاع بدخول البلاد حرباً أهلية، ناشد السقاف الجبهتين بتوخي الحكمة وعدم إتاحة الفرصة للعدو لاختراق الصفوف.
السقاف في قسم الصحافة بآداب القاهرة
التحق حمزة السقاف بقسم الصحافة التابع لكلية الآداب بجامعة القاهرة، وتدرب خلال السنوات الأربع في مؤسسات صحفية: «أخبار اليوم» و«الأخبار» و«آخر ساعة» وكان موسى صبري من أساتذته. كما عمل السقاف في «الأهرام» أيام هيكل حتى بعدما تركها، وعمل في «دار الهلال» قرابة عام كامل، وعمل في «دار المعارف» لفترة طويلة وتدرج في مختلف الأقسام من مندوب أخبار إلى التحقيقات الصحفية إلى جانب عمله في الإذاعة.
كل مشوار العمر في الإعلام
انتهت مهمة حمزة السقاف في العمل الإذاعي مع «صوت العرب» عام 1972م، وبناء على نصيحة الأستاذ سعد زغلول نصار، مدير «صوت العرب» انتقل حمزة السقاف إلى ليبيا وعمل مع زملاء مصريين من ضمنهم الأستاذ أمين بسيوني، أحد خبراء الإعلام في القاهرة.
عمل السقاف معلقاً سياسياً ومحللاً سياسياً ومحرر أخبار في ليبيا حتى عام 1982م، منها ست سنوات رئيساً لقسم الشؤون السياسية في الإذاعة والتلفزيون الليبي، ورئيساً لبعض الوقت للمكتب السياسي بوكالة الأنباء الليبية.
انتقل بعد ذلك إلى المملكة العربية السعودية وعمل في إذاعة البرنامج الثاني بجدة وإدارة البرنامج العام بالرياض ويعمل حالياً خبيراً إعلامياً.