هاشم علي .. ذاگرتنا المشبعة بالحنينريان الشيباني
تعز كما احبها وجسدها هاشم علي
رحل هاشم علي، أو كما قال الصديق محمد الوصابي سافر إلى أكثر الألوان قتامة ، الموت، ومع هذا لم يكن يحتاج إلى بندقية أو قبيلة حتى يكون موته ممتلئاً بالضجيج، عاش هاشم علي بصمت وهدوء كافيين لأن يكون الرائد والإنسان فقط، ولهذا ليس من المستغرب أن يموت وليس لديه منزل، أو كان على الجهات المختصة أن تفهم أن هاشم علي عندما يقول إنه أب فاشل، فهو يجسد غصة حقيقية قد تكون السبب وراء موته بهذه الطريقة الهادئة والكبيرة، حتى لا يثقل على وزارة الثقافة تكاليف تكفلها بعلاجه، ولم تحمل نفسها عناء تكاليف صفحة من النعي كان يستحق أكثر منها.
نعم، رحل الأستاذ، وفي حياته الكثير من الوجوه والأمكنة لأناس ظل ولا يزال ذاكرتهم المشبعة بالحنين والألم، فكان الكبير بامتياز والمثقف بجدارة،.. وفوق هذا لم يتفنن الرجل في إظهار أن يكون البائس الوحيد في بلد لا يعترف إلا بالبنادق، طالما أشبع بخيال خصب يوائمه لأن يعيش في مساحة صغيرة، هي ملجأه إلى الإنسانية والعالمية، وقليلون هم الذين عايشوا هاشم علي وعرفوا حياته الشخصية، وهم وحدهم من يعرف أن هاشم علي ولد في بلد غير بلده وبيئة غير بيئته، وهم من يعرف هاشم علي (الكثير، والنادر جداً).. نعم، شكل هاشم علي بلوحاته التشكيلية هوية الوطن، ومع هذا لا أستطيع أن أتصور «تعز» بدون هاشم علي، ليس لأنه مناطقي ولكن لنزوحه الفطري باتجاه الأماكن الأكثر وجعاً و هي نفسها الأماكن التي عندما تعزي نفسها فهي تصنع مثل هؤلاء
من أعمال هاشم علي
الرجال، فهي هويتهم وهم أصدقاؤها الذين لا يقلون معاناة عنها، وينبع هذا الإحساس من حب رجل مثل هاشم علي لهذه المدينة التي أدمن ساكنوها الرحيل من ضيم الحياة وفاقة الحاجة، ومع ذلك كله، استطاع أن يصمد بإمكانياته المتصالحة مع كل شيء، وهي رأس مال لا يستهان به.. في المرة التي التقيت فيها هذا الرجل كان يبحث في المدينة المزدحمة عن كتاب في فلسفة الجمال، استعاره منه الصديق هاني جازم الصلوي، وعندما التقيناه في صنعاء قال(مازحاً): أعطوني الكتاب وخذوا مقابلها ابني أحمد.. وغيرها كنا نعرف أن هاشم علي يتمتع بخصوصية شديدة، فلا داعي أن تزوره في الأوقات التي يكون فيها عاكفاً في مرسمه، وفي الصباح الباكر ينحدر من عقبة شارع جمال نحو وسط المدينة يدخن السيجار، وكترويح عن النفس يأخذ وجبته مع العمال في صباح المدينة أحياناً، ووحيداً تراه يهمس برجليه اسفلت الشارع، لقد عاد هاشم علي إلى مرسمه، قد يكون عاد بصيد وفير في هذا اليوم، لماذا لا يكون (الأبـَّال) أو( بائعة العنب).. تتلمذ الكثير على يد الأستاذ هاشم، وهم كثر، لكن ظل أكثرهم زخماً في الساحة، ليس لأنه المعلم وحسب، ولكن لأنه الفيلسوف أيضاً، ومع الأسف الشديد لم يتقن إلا القليل ما كان يرمي إليه هاشم، وراوح الكثير منهم في فضاء القالب والشكل، متناسين الجوهر.
كانت أعماله تتسم بالصوفية
أود هنا أن أشكر الزميل صادق غانم، والذي كانت تربطه علاقة صداقة بالفنان التشكيلي هاشم علي، وقد كان قبل سنوات كلف نفسه عناء المشاركة في تأليف كتاب اختطفته وزارة الثقافة، ونشرته بشكل مبتور، وحالياً يعمل على تجهيز مجموعة باسم هاشم علي الدمعة الكبيرة لإتاحة المجال أمام المهتمين بالفن التشكيلي وهاشم علي، للحصول على جزء صغير من لوحاته النادرة.