فاروق السامعي
عدد المساهمات : 174 تاريخ التسجيل : 14/08/2010
| موضوع: الغزالي يحاكم العقل 26/09/10, 06:34 pm | |
| الغزالي يحاكم العقل وجوب مواجهة التفكير بـ«التكفير» . فاروق السامعي بينما كان الرواندي يصرخ: إذا كان الكتاب يتفق مع عقلي فلي عقلي، وإذا كان لايتفق مع عقلي فلا حاجة لي به؟! معبراً عن أزهى مراحل انتصار العقل على الكابح النصي وهيمنة الثابت المنقول على الفكر. فيما كان الغزالي يستعد لإنتاج «إلجام العوام عن علم الكلام» وينصح فيه اعتماد «طريق السلف في الكف والسكوت والعدول إلى الدرة والسوط والسيف وذلك مما يقنع الأكثرين» ويزيد «وكذلك العامي (العامة) إذا طلبت بالسؤال هذا المعاني يجب زجرهم ومنعهم وضربهم بالدرة (السوط) كما كان يفعله عمر (رضي الله عنه بكل من سأل عن الآيات المتشابهات، وكما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في الانكار على قوم رآهم خاضوا في مسألة القدر وسألوا عنه فقال عليه الصلاة والسلام: أفبهذا أمرتم.. وقال: إنما هلك من كان قبلكم بكثرة السؤال»، مما يعني قيادة الغزالي لثورة جديدة ضد العقل والفكر والبحث الاجتهادي العلمي في حقائق الحياة والكون وخلف فلسفة الوعي ولمصلحة الثابت النقلي وقداسة النص بعد الثورة الأولى التي تزعمها الإمام أحمد بن حنبل. هذه الجولة من الصراع بين النصي والعقلي والتي لن تتوقف إلا لتتنفس وتتسعد لبدء جولة تالية، أثبتت أن بروز طرف لايعني بالضرورة انتفاء الطرف الآخر بل ترقب هجومه المعاكس والمرتد. تكريم التفكير بتهم التكفير منذ أول انتصار فعلي للعقل والفكر والفلسفة في عهد الخليفة المأمون عرف العقل العربي طريقه إلى النور حين تمرد من قبضة سطوة المنقول وتحرر من هيمنة واستبعاد النص. وعلى يد كتيبة من علماء الفكر عرف العقل حريته وتخلص من قمعية النص. وفي غمرة الاحتفاء لم ينتبه أولو الألباب إلى أن شيوخ التقليد يستعدون لطبخ فتاوى تبيح للعوام إراقة دمهم وتسهم - بفعل شرعية العمامة - توقيف مسيرة العقل واغتيال المعقول وإعادة السيطرة للمعقول والمنقول. وهو ماحدث بالفعل مع تقليد أمر الخلافة المتوكل. تقليد المتوكل أمر الخلافة وعلى يد الأشعري يحدث الارتداد عن العقل لمصلحة النص وهو مامثل «هزيمة فعلية للنزعة العقلية وفاتحة صراع طويل بين الفلسفة وخصومها» على حد تعبير الكاتب ماجد فخري. هذا الواقع الذي فرض مجدداً على العقل وتحدث عنه الرازي في كتابه «مخاريق الأنبياء» واصفاً فيه أنصار النص ضد العقل وأصحاب الشرائع وأورده عبدالرحمن بدوي في كتابه «تاريخ الإلحاد في الإسلام».. «إن أهل الشرائع أخذوا الدين عن رؤسائهم بالتقليد، ودفعوا النظر والبحث عن الأصول، وشددوا فيه ونهوا عنه ورووا عن رؤسائهم أخباراً توجب عليهم ترك النظر ديانة وتوجب الكفر على من خالف الأخبار التي رووها، من ذلك مارووه عن أسلافهم أن الجدل في الدين والمراء فيه كفر، ومن عرض دينه للقياس لم يزل الدهر في التباس. ولاتفكروا في الله وتكفروا في خلقه، والقدر سر الله فلا تخوضوا فيه، وإياكم والتعمق فإن من كان قبلكم هلك بالتعمق، إن سئل أهل الدعوى عن الدليل على صحة دعواهم استطاروا غضباً، وهدروا دم من يطالبهم بذلك، ونهوا عن النظر، وحرضوا على قتل مخالفيهم، فمن أجل ذلك اندفن الحق أشد اندفان وانكتم أشد انكتام... وإنما أتوا من هذا الباب من طول الإلف لمذهبهم ومر الأيام والعادة واغترائهم بلحى التيوس المتصدرين في المجالس يمزقون حلوقهم بالأكاذيب والخرافات». الغزالي.. انحياز لثقافة الحاكم أبو حامد الغزالي أو حجة الإسلام كما يحلُّ لأهل السلف تسميته بها جاء في زمان استفحال وانتشار المذهب الأشعري وفي مكان بسطت عليه الدولة السلوقية حكمها وجعلت من المذهب الأشعري منهجها ولذلك استفاد الغزالي من أمكنة وجوده وتواجده وسوق لنفسه واستغل في ذلك جيداً توظيف مأربه وأطماعه ورغم بدايته الفكرية ذات البعد الفلسفي إلا أنه تراجع عنه. ولذلك ومن أجل مصلحة ذاته عمد الغزالي إلى رفع راية الفكر السلطوي والمذهب الأشعري الذي يعد فكر الحكام ومذهب الدولة الحاكمة طمعاً منه في أن يكون جليس الحكام ولسان الدولة.. وهو ماكان له بالفعل بعد ذلك.. الغزالي الذي أسس خطابه الفكري على أساس نسف المدارس الفكرية في عصره وتكفير المشتغلين بها والانتصار للصوفية والمذهب الاشعري عمد في مرحلة متأخرة من حياته إلى العزلة والانزواء بعيداً عن الدولة والحكام وبعيداً عن الناس واختلف المؤرخون في تفسير طبيعة ذلك الانزواء وأسبابه. يقول الأزهري عبدالحليم محمود - غزالي العصر - كما يلقبه السلفيون «ثم كانت انتفاضته العارمة التي انتزعته قسراً وفي عنف من وسط النعيم والأبهة والمجد إلى حيث الانزواء والعزلة، لقد كان ينعم بالترف الدنيوي وهاهو ذا الآن ذاهب إلى الله.. لقد كان يرفل في رياض النعيم المادي وهاهو ذا الآن فار إلى ربه ومهاجر إليه». هل كان بالفعل ذاهباً إلى الله وفاراً إلى ربه ومهاجراً إليه كما يزعم غزالي العصر وعلماء السلف أو أن هناك سبب آخر لما قام به الغزالي. يذهب بعض كتاب التاريخ الإسلامي وأغلب المستشرقين إلى أن الدافع الأساسي والسبب الرئيس الذي جعل حجة الإسلام يقدم على الهجرة والانزواء والفرار ليست انتفاضة الروح على ملذات الدنيا ونعمها بل كان بفعل تهديدات القتل التي تلقاها من قبل بعض الفدائية الإسماعيلية وبعض اشياع الفرق والمذاهب خاصة تلك التي صنفها في إطار الباطنية وكال إليهم تهم الكفر والزندقة وأباح إراقة دمائهم. ومما يؤكد رأي ماذهب إليه بعض علماء التاريخ المستشرقين هو أن فعل ثورة الغزالي وانتفاضته المزعومة على الدنيا ومغرياتها والهجرة والابتعاد كان يعد حادثاً بث الرعب في نفسه ودفع به إلى الخوف على حياته إثر قيام أحد الفدائية الإسماعيلية واسمه قاهر الاراني متقنعاً بثياب صوفية بالية بقتل الوزير نظام الملك في مدينة نهاوند بعد أن اختلى به في مجلسه تحت زعم تقديم عظة دينية له. ولم تكن المخاوف التي تحدق بالغزالي تأتي فقط من قبل الفدائية الإسماعيلية وأنصار الفرق والمذاهب الأخرى بل ومن قبل الحكام السلوقين أنفسهم خوفاً من انقلابه عليهم خاصة بعد أن أشعل حقد المخالفين لمذهبهم عليهم واصبحوا يترصدونهم ويتربصون لهم بالموت حتى وهم على عروشهم. والمعروف عن الغزالي الحجة افتقاده إلى الشجاعة وتفضيله الحياة على أن يدافع عن فكره وقد وصفه عارف ثامر في كتابه «الغزالي بين الفلسفة والدين» بـ «العالم الجبان الذي ترتعد فرائصه خوفاً من الحكام». حجة النقل تحاكم العقل رغم إدعاء العزلة والصمت التي أعلنها الغزالي ولكن بعد فشل هجرته إلى أحد ملوك الممالك المغربية عاد من جديد بـ «المنقذ من الضلال» الكتاب الذي اشتغل عليه في عزلته وعاد به إلى واجهة المواجهات الفكرية مجدداً. ورغم بعض الأحداث التي جرت قبل عزلته وأثناءها إلا أنه عاد أكثر تطرفاً للنص ضد العقل فمثلاً ضمن هذا الكتاب وتحت عنوان مثير إلى درجة الرعب «اصناف الفلاسفة وشمول وصمة الكفر كافتهم» مقسماً إياهم إلى ثلاثة أقسام وهي: الدهريون الطبيعيون الإلاهيون معتبراً إياهم زنادقة وكفرة وجب استئصال شأفتهم. فالدهريون - حد زعمه - زنادقة لأنهم جحدوا الصانع المدبر العالم القدير وزعموا أن العالم لم يزل موجوداً كذلك بنفسه بلا صانع. والطبيعيون أىضاً زنادقة لأنهم جحدوا اليوم الآخر وهو أصل الإيمان. ولايستثني الإلهيين أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو فأوجب تكفيرهم وتكفير شيعتهم من المتفلسفة الإسلاميين كابن سينا والفارابي وأمثالهما. والغزالي بـ «المنقذ من الضلال» أعاد إلى الأذهان محاكمة العقل الذي حدث لسقراط حينما صوتت الجماهير الغاضبة مطالبة بإعدامه لأنه أنكر وجود الآلهة. اسقاطات الفشل على المغاير حجة الإسلام الذي نصب نفسه مدافعاً عن الله ومحامياً عن الذات الإلهية في كتابه «تهافت الفلاسفة» حين طرح في مقدمته: «أما بعد فإني قد رأيت طائفة يعتقدون في أنفسهم التميز عن الأتراب والنظراء بمزيد الفطنة والذكاء قد رفضوا وظائف الإسلام من العبادات واستحقروا شعائر الدين من وظائف الصلوات والتوقي من المحظورات واستهانوا بتعبدات الشرع وحدوده ولم يقفوا عند توقيفاته وقيوده بل ضلعوا بالكلية ربقة الدين» ويضيف: «.. وإنما مصدر كفرهم سماعهم أسماء هائلة كسقراط وإبقراط وافلاطون وأرسطو طاليس وأمثالهم». وهو هنا يأخذ عليهم عدم اهتمامهم بالطقوس العبادية كالصلاة وانفتاحهم على ثقافة الآخر ذات البعد الفلسفي والعقلي. ولكن من الداخل ومن وراء الأسطر تفوح روائح الدونية التي يعانيها أمام علماء الفلسفة والعقل وتظهر بجلاء عقدة النقص عندما يقول: «رأيت طائفة يعتقدون في أنفسهم التميز عن الاتراب والنظراء بمزيد الفطنة والذكاء» وهو ماينقصه بالفعل ويشعر به ويدعه إلى الاسقاط اللاواعي في توجيه الاتهام. العقل في مواجهة الفكر الجبري وهذا القمع الفكري الذي مارسه حجة الإسلام الغزالي وصفه المعتزلة بالفكر الجبري الذي ينفي حرية الاختيار عن الإنسان وهم يؤكدون أن من ينكر على الإنسان حريته وقدرته على تحديد مصيره في نطاق قدرته التي خلقها الله وميزه بها عن غيره من الكائنات لايفعل سوى أن يبرر الاستبداد السياسي والاجتماعي في مختلف صوره. والعقل أقدر على الإثبات من النص هذا ما أحب ابن رشد أن يثبته خاصة وهو يقتحم حقل ألغام أهل السلف والنص الفقهي ويعمل على تفجيره من الداخل في كتابه «فصل المقال» مثل «إن هذه الآراء في العالم ليست على ظاهر الشرع.. ذلك أن قوله تبارك وتعالى: وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء، يقتضي بظاهره أن وجوداً قبل هذا الوجود وهو العرش والماء وزماناً قبل هذا الزمان أعني المقترن بصورة هذا الوجود الذي هو عدد حركات الفلك وقوله تعالى: يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، يقتضي أىضاً بظاهره أن وجوداً ظاهراً بعد هذا الوجود، وقوله تعالى: ثم استوى إلى السماء وهي دخان، يقتضي بظاهره أن السماوات خلقت من شيء.. المتكلمون ليسوا في قولهم أىضاً في العالم على ظاهر الشرع بل متأولون فإن ليس في الشرع إن الله كان موجوداً مع العدم المحض ولا يوجد هذا فيه نصاً أبداً». متصوف يريق دماء المتصوفة والغزالي الذي عرف عنه دفاعه عن التصوف إلا أنه كان نرجسياً في ذلك أىضاً إذ حصر التصوف بتصوفه فقط منكراً على الآخر تصوفه وواصماً إياه بالكفر والزندقة فمن رسائله المعنونة بـ «فضائل الآنام في رسائل حجة الإسلام» والمترجم عن الفارسية يصف المتصوفين بـ«اسراء لجميع الشهوات وعاشوا في زي المتصوفة وظنوا أنهم من المقربين إلى باب حضرة العزة وفي الحقيقة أنهم أسوأ الخلق وأردأ الأمة وعلاجهم اليأس ولاتفيدهم المناظرة ولا النصيحة فمن الواجب استئصالهم وقمعهم وإراقة دمائهم ولا طريق سوى هذا في إصلاحهم يفعل الله بالسيف والسنان مالايفعله بالبرهان». المرأة كائن سريري أما عن علاقة الغزالي بالنساء فهي علاقة عداء يقترب من درجة عدم الاعتراف بانسانيتهن وبمشاركتهن في الحياة وفي الرأي والمشورة حتى إنه نقل ذلك العداء إلى كونه أمراً شرعياً.. يجب الأخذ به دون تفكير وأسقطه في قالب المقدس. ففي كتابه «التبر المسبوك في نصائح الملوك» أورد «قيل: شاوروهن وخالفوهن، ويجب على الرجل الفاضل المتيقظ أن يحتاط في خطبة النساء وطلبهن، وليزوج البنت لاسيما إذا بلغت لئلا يقع في الغدر والعيب ومرض الروح وتعب القلب وعلى الحقيقة كل ماينال الرجل من البلاء والهلاك والمحن فبسببهن». وهو كذلك يدعو الرجال إلى الرفق بهن مثل رفق السجان بمسجونه ويعد كذلك أول من صنف وعدد الامتيازات الذكورية على حساب الأنثى وعلى النحو التالي: 1 - إمكانية الرجل تطليق زوجته متى شاء. 2 - لايمكن للمرأة التصرف من مال زوجها دون إذنه. 3 - إمكانية الرجل الزواج من نساء آخريات غير زوجته بينما يحظر عليها فعل ذلك. 4 - لايمكن للمرأة مغادرة بيت زوجها إذا لم يأذن لها بذلك. 5 - لايمكنها تقديم العزاء في وفاة ميت بينما يحق له فعل ذلك. 6 - على الزوجة الخوف من زوجها بينما الزوج فلا. ويذهب إلى اعتبار «المرأة أسير الرجل ويجب على الرجال مداراة النساء لنقص عقولهن وبسبب نقص عقولهم لايجوز لأحد أن يتدبر بأمرهن ولايلتفت إلى أقوالهن» وأىضاً «لايتدبر أحد برأي النساء فإن من تدبر أو ائتمر بمشورتهن خسر درهمه درهمين». هذه العلاقة الشرعية التي يريدها الغزالي بين الرجل والمرأة ويعتقد بنصيتها الشرعية وإن لم تكن في النص المقدس بعث بها من العدم فهو حجة الإسلام الدامغة. وعلى العكس من ذلك حينما يتعلق الأمر بجسد المرأة والاستمتاع به فلا ضير من استدعاء قوة السماء وخبرة الملائكة والاستقواء بهما من أجل استعادة فتيل شهوة تخبو أو تكاد أن تموت. في كتاب «آداب النكاح وكسر الشهوتين» يسرد راوياً عن الرسول صلى الله عليه وسلم الحديث التالي: «شكوت إلى جبريل عليه السلام ضعفي في الوقاع فدلني على الهريسة» والحديث ليس في الصحاح على إجماع الرواة على قوة الرسول الجنسية وإن كان ذلك تحيزاً لنبوته على كونه بشر. ويواصل العوم في نفس كتابه آداب النكاح «.. ومن الطبائع ماتغلب عليه الشهوة بحيث لاتحصنه المرأة الواحدة فيستحب لصاحبها الزيادة على الواحدة إلى الأربع فإن يسر الله له مودة ورحمة وأطمأن قلبه بهن وإلا فيستحب له الاستبدال. فقد نكح علي (رضي الله عنه بعد وفاة فاطمة عليها السلام بسبع ليال ويقال: إن الحسين بن علي كان منكاحاً حتى نكح زيادة على مائتي امرأة وكان ربما عقد على أربع في وقت واحد، وربما طلق أربعاً في وقت واحد واستبدل بهن وقد قال عليه السلام للحسن: اشبهت خَلقي وخُلقي - وقال صلى الله عليه وسلم: حسن مني وحسين من علي. فقيل إن كثرة نكاحه أحد ما أشبه به خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم». وفي هذا مناقضة صريحة لحديث الهريسة. شهادات معاصريه «وصل إلينا كتاب الرجل المعروف بأبي حامد الغزالي وسماه المنقذ وصف فيه طرفاً من سيرته وذكر أنه شاهد عند اعتزاله أموراً إلهية والتذ التذاذاً عظيماً ومما قاله: فكان مما كان مما لست أذكره وهذه كلها ظنون.. وهذا الرجل بين أمره أنه غالط أو مغالط». ü من رسائل ابن باجة الإلهية - (رسالة الوداع) «أما كتب الشيخ الغزالي فهو بحسب مخاطبته يربط في موضوع ويحل في آخر ويكفّر في أشياء ثم ينتحلها». ü ابن طفيل - مقدمة حي بن يقظان | |
|