فاروق السامعي
عدد المساهمات : 174 تاريخ التسجيل : 14/08/2010
| موضوع: الاخلاق لاتحتاج الى آلهة 09/12/11, 04:59 pm | |
| الاخلاق لاتحتاج الى آلهة واحدة من أولى الأسئلة التي يقوم المؤمنين بطرحها على الملحدين و المتشككين على حد سواء ، هي : ان كنت لا تؤمن بالله ، اذن لا يوجد شئ يحول دون ارتكابك الجرائم ، اليس كذلك ؟ دون خوف من نار جهنم الأبدية ، يمكنك أن تفعل أي شئ تريده ، اليس كذلك ؟ مقدمة : من الصعب تصديق أنه حتى اشخاص أذكياء و مثقفين يمكن أن يحملوا مثل هذا الرأي ، لكن هذا ما يحصل ! يبدو و كأنه لم يخطر ببالهم قط ، أن الاغريق و الرومان ، الذين كانت آلهتم و الهاتهم ..أقل من يُقارن بالفضيلة , ومع ذلك ادت تعاليمهم الى حياة ليست أسوأ من حياة الدينيين حاليا ! و علاوة على ذلك , فإن وثنيون مثل أرسطو و ماركوس اوريليوس تمكنوا من انتاج أطروحات أخلاقية عالية التطور ، نادرا ما يمكن أن تقارن بها أخلاق الديانات الابراهيمية !
بالطبع يخضع سلوك الملحدين لنفس قواعد علم الاجتماع ، و علم النفس ، و الفسيولوجيا العصبية التي تحكم تصرفات جميع أعضاء جنسنا ، بمافيهم الدينيين. و علاوة على ذلك - و على الرغم من احتجاجات معاكسة - كقاعدة عامة ، عندما يمارس الدينيون سلوكا أخلاقيا ، فهو لا يعود حقيقة لخوفهم من نار جهنم ، كما أنه ليس لآمالهم في الجنة.
السلوك الأخلاقي – بغض النظر عن من يكون الممارس – ينتج دائما من الأسباب ذاتها، و ينظم من قبل نفس القوى ، و لا ينتج اساسا من وجود أو عدم وجود المعتقد الديني. طبيعة هذه الأسباب و القوى هي موضوع هذه المقالة . الأسس السايكوبيولوجية (Psychobiological Foundations) : كبشر ، نحن حيوانات اجتماعية . و نشاطنا الاجتماعي هو نتيجة للتطور ، لا الإختيار . الانتقاء الطبيعي جهزنا بأجهزة عصبية حساسة للحالة العاطفية لرفاقنا . في نوعنا العواطف معدية ، و يُعتبر طفرة نادرة مضطربة العقل بيننا ، ذلك الذي يستطيع أن يكون سعيدا في خضم مجتمع حزين . من طبيعتنا ان نكون سعداء في غمرة السعادة و الحزن في غمرة الحزن . في طبيعتنا ، لحسن الحظ ، السعي لسعادة رفاقنا في نفس الوقت الذي نسعى فيه لسعادتنا نحن . سعادتنا أكبر عندما تكون مشتركة . الطبيعة أيضا وفرت لنا اجهزة عصبية ذات محاكاة دامغة الى درجة كبيرة (imprintable) . و من المؤكد أن هذه الظاهرة ليست قاطعة أو يتعذر مقاومتها كما هي في الأوز ، حيث فرخ الأوز يمكن أن يحاكي دمية محاكة دامغة ..و يتبعها كما لو كانت أمه , حتى الهلاك ! مع ذلك ، فإن قدرا من المحاكاة الدامغة يبديها البشر . الجهاز العصبي في الانسان يبدي حفاظا على قدرته على المحاكاة الدامغة بصورة جيدة و في سن متقدمة , و انه من المرجح جدا أن الظاهرة المعروفة باسم "الحب من أول نظرة" هي شكل من أشكال المحاكاة الدامغة . المحاكاة الدامغة هي شكل من أشكال السلوك الودي . و هو يساعدنا في تشكيل علاقات خاصة قوية . انه قوة رئيسية تساعدنا على الخروج من الذات لخلق أصدقاء مهمين يمكن أن نحبهم بقدر حبنا لانفسنا . هاتان الخاصيتان لجهازنا العصبي – الايحاء العاطفي و المحاكاة الدامغة – رغم انهما اساس كل سلوك الايثار و الفن ، هي متوافقة تماما مع سمات الأنانية لكل السلوكيات التي أوجدتها عملية الانتقاء الطبيعي . هذا يعني ان شريحة واسعة من السلوكيات التي ترضينا ، موجودة في نفس الوقت لترضي من حولنا ، و العكس صحيح . لذلك يجب ان لا نتفاجأ عندما نأخذ ذلك في الاعتبار وسط مجتمعات اقرب أبناء عمومتنا ، القردة العليا ، فسلوكها الاجتماعي ليس فوضويا ، حتى اذا كانت الغوريللا تفتقر للوصايا العشر ! الشمبانزي اليافع ليس في حاجة الى نبوءة لتقول له ان يكرّم امه و ان يمتنع عن قتل اشقائه و شقيقاته . بطبيعة الحال ، المشاحنات العائلية بل و حتى القتل قد لوحظ في مجتمعات القرود ، غير أن هذه التصرفات هي الاستثناء و ليس القاعدة . و هي كذلك أيضا في المجتمعات البشرية ، في كل مكان و زمان . القردة الأفريقية - التي جيناتها 98 – 99 % مطابقة لنا – تمضي حياتها كحيوانات اجتماعية ، متعاونة في عيشتها تماما من دون استفادة من رجال دين و وصايا . و يذكر كذلك ان علماء البيولوجيا الاجتماعية لاحظوا سلوكا ايثاريا بين حشود البابون . أكثر من مرة في حشود هوجمت بواسطة نمور ، لاحظوا ان ذكورا تجاوزت سن الانجاب قاموا بالتباطؤ في مؤخرة الحشد الهارب ، لتشغل النمور فيما يؤدي غالبا الى قتال انتحاري . كما ان الذكور الهرمة أخرت النمور مضحية بحياتها نفسها ، الاناث و الصغار تهرب و تعيش لتحقق مصائرها المختلفة . البطولة التي نراها تحصل من وقت لآخر ، من رفاقنا رجالا و نساء ، هي أقدم كثيرا من أديانهم . قبل فترة طويلة من الآلهة التي أنشأها أجدادنا الأقل شجاعة بعقولهم الممتلئة بالخوف ..البطولة و التضحية بالنفس ، من أجل الحب ، كانت موجودة . هم لم يحتاجوا الى عذر خارق للطبيعة في ذلك الحين ..كما أنهم لا يحتاجونه الآن . و بالنظر الى الواقع العام ، حيث أن التطور جهزنا بأجهزة عصبية متحيزة لصالح السلوك الاجتماعي أكثر من اللااجتماعي ، فمع ذلك أليس صحيحا أن هذا السلوك الضد اجتماعي موجود ، و هو موجود بكميات أكبر من السلوك الاجتماعي ؟ للأسف هذا صحيح ، لكنه صحيح لأننا نعيش في عالم أكثر تعقيدا من عالم العصر الحجري الذي تطورت فيه أجهزتنا العصبية . لفهم الأهمية الأخلاقية لهذه الحقيقة ، يجب علينا أن نستطرد قليلا و نعيد النظر في التاريخ التطوري للسلوك الانساني . استطراد : اليوم ، تستطيع الوراثة ان تتحكم في سلوكنا من خلال الطرق العامة فقط ، فهي لا يمكن أن تملي السلوك الدقيق الملائم لكل الظروف المختلفة اللانهائية في عالمنا ، الوراثة تحتاج الى المساعدة . في عالم ذبابة الفاكهة ، على النقيض من ذلك ، فان المشاكل التي يتعين حلها قليلة العدد و يمكن التنبؤ بها في الطبيعة ، و نتيجة لذلك عقل ذبابة الفاكهة مبني الى حد كبير على الوراثة . و هذا يعني ان معظم السلوكيات تنتج من تفاعل الدوائر العصبية مع البيئة و التي تعمل اوتوماتيكيا ما أن تتكون الحشرة الكاملة و هذا مثال صارخ على ما يسمى السلوك الغريزي . كل سلوك هو تسلسل لجين أو جينات و التي تهيئ الجهاز العصبي لتطوير أنواع معينة من الدوائر و ليس غيرها ، و حيث يكون من المستحيل أن تعمل خلافا للنظام الجيني الموجود سلفا . عالم الثديات – الثعلب مثلا – هو أكثر تعقيدا من ذلك بكثير و لا يمكن التنبؤ به بنفس طريقة ذبابة الفاكهة نتيجة لذلك الثعلب يُولد و معه جزء فقط من دوائره العصبية المثبتة . كثير من خلاياه العصبية تبقى مرنة خلال حياته . أي أنها قد تتصل أو لا تتصل مع بعضها في دوائر وظيفية ، اعتمادا على الظروف البيئية . السلوك المكتسب هو السلوك الذي ينتج عن تفعيل دوائر الظروف البيئية المشروطة هذه . التعلم يسمح للحيوان الثديي ان يتعلم عن طريق "التجربة و الخطأ" أكثر بكثير من السلوك التأقلمي الذي ينتقل عن طريق الوراثة . الثعلب سيكون عبارة عن جينات محبوسة بين جدران ، اذا كانت جميع تصرفاته محددة وراثيا . مع تطور البشر ، تعقد البيئة زاد تناسب الجينات و تغيرات الخلايا العصبية ، مميزا ايانا عن اسلافنا القردية. و يرجع هذا جزئيا الى أن جنسنا تطور في فترة انحراف مناخي عظيم – العصور الجليدية – و يرجع ذلك جزئيا أيضا الى أن سلوكياتنا نفسها بدأت بتغيير بيئتها . البيئة المتغيرة بدأت بدورها في خلق مشاكل جديدة يجب أن تحل . حلولها غيرت البيئة أكثر و هكذا . فمن ثم فان اكتشاف النار أدى الى حرق الأشجار و الغابات ، مما أدى الى تدمير امدادات الماء المحلية و تجمعات المياه ، الأمر الذي أدى الى تطوير الهندسة لبناء القنوات المائية ، مما أدى الى القوانين المتعلقة بحقوق المياه ، الأمر الذي أدى الى الصراع الدولي ، و هكذا دواليك . و نظرا لهذا التعقيد ، حتى القدرة على تعلم سلوكيات جديدة ، هي في حد ذاتها غير كافية . اذا كانت التجربة و الخطأ هي الوسيلة الوحيدة ، معظم الناس سيموتون من الشيخوخة قبل اعادة اكتشاف النار أو اعادة اختراع العجلة . كبديل عن الغريزة و لزيادة كفاءة التعلم ، الجنس البشري طور الثقافة . تم تطوير القدرة على التدريس (مثل التعلم) ، و وسيلة التجربة و الخطأ أصبحت الملاذ الأخير . بنقل الثقافة ، مرورا باجمالي السلوكيات المتعلمة المشتركة بين السكان ، يمكننا أن نقوم بما لا يسمح به الاختيار الجيني الدارويني ، يمكننا أن نُورث صفات شخصية مكتسبة . العجلة تم اختراعها مرة واحدة ، و تصنيعها و استخدامها يمكن أن ينتقل عبر الأجيال . الثقافة يمكن أن تتكيف مع التغييرات بسرعة أكبر كثيرا مما يمكن للجينات أن تفعله ، و هذا يؤدي الى اضطرابات و قلاقل بيئية . من ناحية وسائل نقل الثقافة ، تلك السلوكيات التي ثبت جدواها في الماضي يمكن أن تدرس على وجه السرعة الى الشباب ، حتى أن التكيف مع الحياة – مثلا على الغطاء الجليدي لغرينلاند – يمكن ضمانه . و حتى مع ذلك ، نقل الثقافة يميل الى ان يكون جامدا : استغرق أكثر من مائة الف سنة لتسنين جانبي الفأس اليدوي ! الطفرات الثقافية ، مثل الطفرات الجينية ، تميل في أغلب الأحيان الى أن تكون ضارة ، وكلاهما تحصل له مقاومة ، الأولى من قبل المحافظة الثقافية ، و الثانية من قبل الانتقاء الطبيعي . لكن التغيرات تزحف أسرع من معدل التغير الجيني ، و الثقافات تتطور ببطء و لكن أسرع من تلك . حتى أن الديناصور الثقافي المعروف باسم الكنيسة الكاثوليكية – على الرغم من مطالبتها بان تكون هي فقط مستودع الحقيقة الثابتة و السلوك القويم – قد تغيرت كثيرا منذ بدايتها . بالمناسبة ، معظم الاديان لاتزال محتجزة في مرحلة الفأس اليدوي من مراحل التطور السلوكي . شرائعنا الاخلاقية المستبدة و المتصلبة ، لاتزال مثبتة أيضا في هذه المرحلة . الوصايا الدينية هي من نظير "هكذا كيف تفرك العصي معا" تلك المرحلة من التطور التكنلوجي ! اذا كان النوع الوحيد من النار الذي تريده هو ذلك الذي يدفئ كهفك ويكفي لطبخ المحار ، فان طريقة فرك العصي تكفي . لكن اذا اردت نارا لدفع طائرتك النفاثة ، فلابد من القيام ببعض التغييرات . ذلك أيضا مع نقلات للسلوك الأخلاقي . اذا اردنا أن نحيا حياة معقدة اجتماعيا ، كما أن الطائرات النفاثة معقدة من الناحية التكنلوجية ، نحن بحاجة الى شئ أكثر من الوصايا الدينية . نحن لا يمكن أن نؤسس قوانيننا الأخلاقية على أهواء و اجراءات تعسفية تم ابلاغنا بها من قبل أشخاص يزعمون انهم مختصون بالاطلاع على نوايا أولئك الذين يقطنون سيناء أو الأوليمب ! أخلاقنا لا يمكن أن تستند على الحيل التي تتعلق بطبيعة البشر و لا التقارير المزيفة المتعلقة بالآلهة . أخلاقنا يجب أن تكون مزروعة بقوة في تربة معرفة الذات العلمية . يجب أن تكون قابلة للتحسين و قابلة للتكيف . أين اذن ، و بماذا سنبدأ ؟ عودة الى الأخلاق : أظهر افلاطون منذ زمن بعيد في حواره ، اننا لا يمكن أن نعتمد على الأوامر الأخلاقية لله . افلاطون تساءل عما اذا كانت وصايا الله جيدة لمجرد أن الله أوصى بها ، أم لأن الله يعلم ما هو الجيد و عمل وفقا لذلك . اذا كان شئ ما جيد لمجرد ان الله أمر به فاي شئ يمكن أن يعتبر جيدا . لن يكون هناك أي وسيلة للتنبؤ بماذا سيرغب الله بالضبط لاحقا ، و سيكون بلا معنى تماما اثبات ان الله نفسه جيد . رجم الأطفال بالحجارة من شأنه أن يكون جيدا بنفس القدر كمبدأ "أحب أعداءك" . ( و يبدو ان طيبة إله العهد القديم هي بالضبط من هذا النوع ) و من ناحية أخرى اذا كانت وصايا الله مؤسسة على معرفة للخير المتأصل في الشرع ، فنحن نواجه ادراك أن هناك مستوى من الخير مستقل عن الله ، و يجب علينا أن نعترف انه من المستحيل أن يكون مصدرا للأخلاق . في سعينا من أجل الخير يمكننا ان نتجاوز الله و الذهاب الى مصدره ! و نظرا الى أن الآلهة لا يمكن بداهة ان تكون مصدرا للمبادئ الأخلاقية ، علينا ان نسعى الى امثال هذه المبادئ في العالم الذي نحن قد طورناه يجب علينا أن نجد السمو في الدنيا . ماذا يمكن أن نعتمد كمبدأ ؟ "مبدأ المصلحة الذاتية المستنيرة" هو تقريب أولي ممتاز للمبدأ الأخلاقي الذي يتفق على حد سواء مع ما نعرفه عن طبيعة البشر و ذو أهمية بالنسبة لمشاكل الحياة في مجتمع معقد . دعونا ننظر لهذا المبدأ : أولا يجب أن نميز ما بين المصلحة الذاتية "المستنيرة" و "غير المستنيرة" . و يجب ان نتخذ مثالا صارخا على سبيل الايضاح . لنفترض أنك تعيش حياة انانية تماما من تلبية فورية لكل رغبة . لنفترض انه ايا كان هناك شخص عنده شئ ما تريده ، فأنت تأخذه لنفسك . فانه لن يمر وقت طويل على الاطلاق حتى يكون الجميع امامك يحمل سلاحه ضدك . و ستقضي كل ساعاتك مختبئا من الانتقام . تبعا لفظاعة انشطتك ، من الممكن جدا ان تفقد حياتك في عربدة انتقام جيرانك . حياة من المصلحة الذاتية الغير مستنيرة الكلية ، قد تكون ممتعة اذا استمرت ، و لكن ليس من المرجح ان تستمر طويلا . الشخص الذي يمارس المصلحة الذاتية "المستنيرة" على العكس هو الشخص الذي استراتيجيته السلوكية ترفع الى الحد الأقصى و في وقت واحد ، كثافة و أمد الأرضاء الشخصي . الاستراتيجية المستنيرة هي الوحيدة التي اذا مارستها لفترة زمنية طويلة ستولد كميات أكبر من المتع و الرضا لاستمرارها . كيف يمكن القيام بهذا ؟ من الواضح ان هناك الكثير للحصول عليه عن طريق التعاون مع الآخرين بدلا عن الافعال الأنانية المعزولة . رجل واحد مع حجر لا يمكنه أن يقتل جاموسا من أجل العشاء . مجموعة من الرجال أو النساء مع كمية من الحجارة يمكنهم ان يدفعوا الوحش الى منحدر – و حتى بعد تقسيمهم اللحم فيما بينهم – يتبقى منه ما هو أكثر مما كانوا سيحصلوا عليه من دون تعاون بينهم . لكن التعاون هو طريق ذات اتجاهين . اذا تعاونت مع مجموعة من الآخرين لقتل جاموس ، و في كل مرة يقودونك بعيدا عن الجثة و يأكلونه لوحدهم ، انت ستأخذ خدماتك سريعا الى مكان آخر ، و ستترك ناكري الجميل لتذهب و تتعثر من دون ما يعادل العصر الحجري . العدالة لها جذورها في مشكلة تحديد الانصاف و المعاملة بالمثل في مجال التعاون . اذا انا تعاونت معك في حقلك للذرة ، كم سأحصل من الذرة في موسم الحصاد ؟ عندما تكون هناك عدالة ، التعاون يعمل على أقصى كفاءة ، و ثمار التعاون تصبح أكثر جاذبية من أي وقت مضى . و هكذا ، فالمصلحة الذاتية المستنيرة تنطوي على الرغبة في تحقيق العدالة . مع العدل و التعاون ، يمكن أن يكون لدينا سيمفونيات . و بدون ذلك ، نحن لا نملك حتى أغنية . دعونا بعرض هذه المقالة ، نعود الى النقطة التي غادرناها . لأن لدينا أجهزة عصبية لحيوانات اجتماعية نحن نكون بصفة عامة أكثر سعادة ، بين رفاقنا ، أكثر من ان نكون لوحدنا . لأننا حساسون عاطفيا ، ففي أثناء اختبارنا للمصلحة الذاتية المستنيرة ، لابد أن نكون حكماء في اختيارنا للسلوكيات التي تجعل الآخرين سعداء و راغبين في تقبلنا و التعاون معنا – لأن سعادتهم سوف تنعكس علينا ، مقوية سعادتنا نحن الخاصة . و من ناحية أخرى ، فان الاجراءات التي تضر الآخرين و تجعلهم تعساء – حتى لو لم يقوموا علنا بردود افعال تقلل من سعادتنا – حساسيتنا العاطفية ، ستجعلنا أقل سعادة . لأن أجهزتنا العصبية ذات محاكاة دامغة ، فنحن لسنا قادرين فقط على الحب من أول نظرة ، بل قادرين على حب الأشياء و المثل العليا فضلا عن الأشخاص ، و نحن قادرون على الحب برجات متغيرة . مثل فرخ الأوز المنجذب الى اللعبة ، نحن يتم جذبنا الى الأمام بالرغبة في الحب . خلافا لطريقة حب فرخ الأوز ، حبنا ، الى حد كبير ، تشكله الممارسة ، و قابل لأن يأتي بالتعلم . و بالتأكيد من الأهداف الرئيسية للمصلحة الذاتية المستنيرة ، هو اعطاء و تلقي الحب ، من النوعين الجنسي و اللاجنسي . و كقاعدة عامة - و ان لم تكن مطلقة - يجب عينا ان نختار تلك التصرفات التي من المحتمل أن تجلب لنا المحبة و القبول ، و يجب علينا تجنب تلك التصرفات التي لن تجلبهما . و ثمة هدف آخر من المصلحة الذاتية المستنيرة و هو السعي الى الجمال بجميع أشكاله ، لحفظ و اطالة الصدى الذي يتردد بين العالمين الخارجي و الداخلي . الجمال و الحب ليسوا سوى جوانب مختلفة من نفس الجوهرة : الحب جميل ، و نحن نحب الجمال . تجربة الحب و الجمال ، على كل ، هي وظيفة غير فاعلة للعقل . كم هو أكبر بكثير ذلك الفراح الذي يأتي من خلق الجمال . كم هي لذيذة استعمال قوانا المبدعة في توليد ما يمكن أن يُحب . الرسم و عزف البيانو ليسا بالضرورة الشروط الأساسية لممارسة الابداع : اننا كلما حولنا المواد الخام من الصورة التي تتواجد بها الى صور أخرى أفضل من التي و جدناها عليها ، نكون خلاقين . مهمة التربية الأخلاقية اذن ، ليست عن طريق التكرار بترسيخ لوائح كبيرة من افعل و لا تفعل ، وانما لمساعدة الناس على التنبؤ بالآثار المترتبة على الاجراءات التي يجري النظر فيها . ما هي الآثار و العوائد الطويلة الأجل و الفورية ، التي تترتب على تصرفاتهم . هل ستؤدي افعال الشخص الى زيادة أم نقصان فرصه في اختبار لذة ثلاثي الحب ، الجمال و الابداع . هكذا يحصل ، عندما ينتهج الملحد ايجاد الحلول لمشكلة ايجاد اسس طبيعية للحقوق و الأخلاق و ينشئ قواعدا غير خارقة للسلوك ، فيبدو كما لو أن الطبيعة نفسها قدمت الحل للمشكلة الى حد كبير . في الواقع ، يبدو أن مشكلة انشاء قواعد انسانية طبيعية للسلوك الأخلاقي ، ليس جزءا كبيرا من مشكلة على الاطلاق . ان من طبيعتنا الرغبة في الحب ، السعي الى الجمال ، و الى التشويق الخاص بالابداع . التعقيد المضلل الذي نراه عندما ندرس الشرائع الأخلاقية التقليدية لا يبدو أنه ضروري : انه الى حد كبير نتيجة محاولات عبثية لاستيعاب احتياجات الانسان الى طوطمات و تابوهات الشياطين و الآلهة التي خرجت معنا من الكهوف عند انتهاء حقبة العصر الحجري – لتتصيد بيوتنا منذ ذلك الحين .
المصدر: The Probing Mind, February 1985 | |
|