مشاعية - الجنة الفردوسية - / حرية جنسية - مساواة إجتماعية - نعيم دائم
ليعذرني القارئ الكريم ، فيما سيقرأ في الأسطر القادمة . البعض قد يعتبر ذلك نوع من الهوس أو الجنون ، في هتك أسرار التابو الممنوع ، والبعض الأخر قد يعتبر هذه الأراء نوع من حرية التفكير . واخرون أفكار إلحادية متزندقة لملحد أو زنديق أو كافر باللوح الحجري الذي حطمه " موسى " ومن جاء بعده ، وحمل لواءه .
وعلى كلا الحالات نحن أبناء منطقة مفتوحة جغرافياً ، ليست ضيقة الأفق ، سواء في رحابة سماءها ، أو عمق حضاراتها .. وهي ميزة وفرت لهذا الإنسان فرصة التحليق الفكري ، أكثر مما وفرته مناطق أخرى لإنسانها . ألم توفر الحضارة السومرية الأولى للإنسان حرية العقيدة والفكر ..؟ وحقه في إختيار إلهه الذي يتناسب سواء مع خياله أم مع صنعته ..؟ وكانت الأسبق في إدراك غاية الإنسان على هذه الأرض . وحقه الديمقراطي في العيش وفق خياره الذي لا يتجاوز ولا يصادر حقوق غيره. في وقت كانت تتعامل فيه بعض العقائد مع الإنسان كرق ، لا قيمة له .
المهم ، ندخل هنا في صلب الموضوع تدريجياً . كافة العقائد الدينية عبر التاريخ ، شكلت الدافع أو القوة الخطابية المحركة لمشاعر البشر التي تعبئهم وتدفعهم للإنخراط في القتال لصالح مصالح القوة الإقتصادية المسيطرة . سواء عبر تقديم وعود دنيوية بالغنائم ، وأخرى عبر وعود آخروية مؤجلة .
في المذاهب التوحيدية الثلاث ، توحدت النظرة الغائية للتاريخ . فكل شئ مخلوق ومقصود لتحقيق غاية معينة . ولكل عمل ثمن يكافئ عليه الفرد . مقابل مركزية فكرة " وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون " الغاية هي العبادة ، والثمن هو الفردوس . كان هذا هو السؤال الكبير الذي وقف الإنسان منذ الأزل أمامه حائراً ماذا بعد الموت ..؟ وكان على هذه المذاهب مهمة تقديم الإجابة كما في الديانات الأرضية الأخرى . ماذا بعد الموت ..؟ هل يفتح الموت باباً أخر على حياة أخرى ..؟
من المؤكد ، أن الحياة ستكون بلا معنى للعديد من البشر إذا وصلت البشرية في حينه قياساً الى مستوى الوعي الذي أصيب بالتراجع أمام نشوء فكرة محورية الإله الواحد أو القطب الأوحد الى خلاصة أن لا حياة أخرى بعد الموت . ففيه تصبح الحياة في ظل الإضطرابات ، والتقسيم الإجتماعي المجحف ، والغزو الهمجي للشعوب الضعيفة الأخرى ، تبدو مضللة إن لم تكن تافة ، وبلا قيمة وجودية .
لذا لجأت الأديان الى تقديم إجابات تتفق مع أماني الناس في العدالة الإجتماعية لكن ليس في الحياة الأرضية بل في مكان أخر.فكرة " البعث " برزت في اليهودية ، والحياة الأبدية في المسيحية ، وجنة الفردوس في الإسلام ، وموكشه في الهندوسية ، والنرفانا في البوذية ، والخلود في الطاوية . وكل ديانة إختارت مكان فردوسها ، بعضها في جزيرة نائية ، وأخرى في جنة عرضها كعرض السماوات والأرض . وأصبحنا أمام شعوب أو أيدلوجيا لا تعنيها من دنياها سوى عملية الإنتقال الى دار الأخرة . بمعنى أخر أن هذه الديانات من حيث الفكرة ساهمت بتخفيض قيمة الحياة الواقعية لصالح حياة أخرى وهمية موجودة في العقل والذهن فقط . إستولت الفكرة على العقل فلم يعد يعرف قيمة التواصل مع الزمن ، والعالم الواقعي . في ظل عملية زجر للعقل وتخويفه من تقديم سؤال إستجواب للدين حول صحة إطروحاته ، وفي اللحظة التي تمكنت بها بعض العقول من طرح السؤال ، كانت قوى الرعب المتحكمة بمصائر الناس تقف لها بالمرصاد ، قتلت أفكارهم أو أحرقت كتبهم ، وبعضهم تعرض لفصل الحياة عن جسده . في كافة العقائد هناك مجازر إرتكبت بحق من يحمل عقلاًً ، وليس سطلاً . فيما تعرضت الفكرة الى عملية تفتيت . لأنها كانت تعارض أحلام اليقظة الدينية في الخلود بعد الموت . تعارض فكرة العبودية لنص بشري ، يمثل ويشكل أساس الطغيان السلطوي البشري . والعبودية أياً كانت بشكل أو بأخر تعني إلغاء وجودك المادي وتحولك الى شئ وهمي . أو مجرد خيال أو ظل لشئ ما يتبع صاحبه الوهمي .
العديد من المفكرين المتنورين عبر التاريخ ، إعتبروا أن السعادة لا تتحقق بالأخذ فقط بل في العطاء . فالأخذ هو الإستدانه من الحياة ، والعطاء أيضاً يتم في الحياة ، وليس حساباً مصرفياً أخروياً على طريقة الأله " رع " ثم أفكارة التي إمتطت موج الريح ورست في الجزيرة العربية . وأنتجت ديانتين " توحيدتين " في الشكل والمضمون .
في ظل غياب العدل الأرضي ، وصعوبة تحقيقة ، لجأت العقائد " التوحيدية " الى عدل أخر يفترض أنه يحقق المساواة بين الناس . بيد أن هذا القانون ليس جاري المفعول في الحياة المعاشة بل هو مؤجل الى الحياة الأخرى .
هنا تمكنت هذه العقائد من إيجاد حل سحري أيديولوجي عظيم كجواب فلسفي على شكاوي الإنسان وإحتجاجاته على الظلم الأرضي . بإنتظار الحل الأخروى المتمثل بتحقيق العدالة والمساواة بين الذكور من البشر . حيث لا أحد أشار الى مصير النساء سوى من موقع هامشي . وهي في الأصل ترجع الى بدايات الإنقلاب الذكوري من عبادة ربة القمر الأنثوية الى عبادة إله الشمس الذكري الذي أرسته الديانة المصرية القديمة . وحطمت معها ديمقراطية الألهة السومرية التي كانت في حينها قد تعرضت الى غزو همجي بشع ، حال دون تطور العالم نحو عدالة راقية كانت بداياتها سومر العظيمة وبلاد ما بين النهرين قبل أن تنتقل الشعلة الى أُثينا الإغريقية . وخسر العالم زمناً لا يعوض ، وحضارة أنتجت ثقافة متقدمة على عصرها .
الكارثة الثقافية كانت في إعتبار أن حل المشاكل الأرضية من عدم مساواة وظلم إجتماعي وتفاوت طبقي هو في الأخرة ..؟ لكن ماهي الأخرة ..؟
هي جنات "عدن " تجري من تحتها الأنهار .. فيها مالا عين رأت ولا خطر على قلب بشر . .. وحور عين وغلمان مخلدون أعدت للمؤمنين ، جنة الخلد والنعيم ، من خمر لا يسكر ..الخ
كافة العقائد الأخرى تضمنت تصويراً متشابهاً مع إختلافات محلية تتعلق بعادات وثقافة تلك المجتمعات .
عندما تجري عملية إطلاق الحلم في العدالة وتصويره بهذه الصورة الجميلة ، ربما علينا أن نشكر الأله أننا خلقنا ذكوراً في الوقت الذي نحزن فيه لمصير النساء . ورغم أن العقائديين قد يصدروا أحكامهم بمنع دخولنا الى هذه الجنة الجميلة المشاعية ، لكن نعتقد أن في حالة وجود " إله " سيكون أكثر سروراً من هؤلاء الملاحدة ومرحباً بهم لأنهم أحسنوا إستخدام ما منحه لهم من عقل . ترى ألا يفرح المدرس أو المعلم من طالب إستخدم عقله أم من أخر أبقى عقله خارج الحصة ..؟
في الشرح المصاحب لفكرة " الجنة " يمكن هنا أن نلاحظ نقطة رئيسية وهي فكرة " المشاعية " فكل شئ مباح ومشاع النساء والغلمان ، والطعام والخمر ، وحياة أبدية . أي مجتمع يتميز بالإباحية المطلقة . في عدالة كاملة . من حقك ممارسة الجنس مع العشرات ، ومن حق العشرات ممارسة الجنس مع العشرات من الذكور . وبالرغم أن العقائد لم تشر إذا ما كانت هذه الحوريات هن من المؤمنات أم لا .. فليس مهماً هنا من تكون هذه الحوريات ، بقدر ما هو مهم أصل الفكرة " المشاعية "
فإذا كانت المشاعية هي الحل الألهي في العدالة الإجتماعية والمساواة والتمتع بالنعم ، لماذا هنا تتصارع أو تصارع هذه الديانة أو تلك غيرها .. لماذا لا يجري محاولة التوفيق بين الرغائب البشرية ..؟ نحو إنتاج عدالة أرضية من نوع شبيه لما تقدمه العقائد التوحيدية من حلول مؤجلة ..؟ عدالة لا تميز بين الإناث والذكور ، ولا بين الغني والفقير ، ولا بين الأبيض أو الأسود أو الأصفر .
لماذا لم نستطع أن ندرك إستحالة الوحدة الدينية ، والعمل بدل الصراع العقائدي على تحقيق المساواة المطلقة بين البشر بغض النظر عن معتقداتهم ومذاهبهم وألوانهم .. أم أن كل فريق يود دخول الجنة وإغلاق الباب خلفة ، وإحتكاره لمشاعية الجنة ..؟
ترى هل هناك نظام مشاعي أكثر مشاعية من نظام " الجنة الفردوسي " ثم يجري توجية الإتهام الى النظام الإشتراكي بأنه نظام " شيوعي " ووفق تفسيراتهم الخاطئة من جذورها أن النظام الشيوعي يعني " إباحية " النساء ..؟ ترى من هو النظام الإباحي نظام " مشاعية الجنة " أم عدالة توزيع الثروة الأرضية على البشر دون تمييز ..؟ والمساواة الإجتماعية ، وإلغاء الفوارق الطبقية .. هذه أليست جزء من نظام الجنة السماوي ..؟
على كل حال ، على ما يبدو أن " بلاتونس " وفكرتة حول " المدينة الفاضلة " التي وأدها الأسكندر الكبير في غزواته الأسيوية ، وجدت صداها في ربوع مصر القديمة ، وفي الجزيرة العربية . لكن بنسخة معدلة ومنقحة أحيل تنفيذها الى يوم الحساب . وللحق يقال أن فكرة " الجنة الفردوسية " من حيث المضمون أكثر رقياً من فكرة " بلاتونس " أو الجزيرة المفقودة . شخصياً أعتقد أن الإنسان هو الذي يخلع على هذا الكون أسراره ، ولا يرضى بأي علم يصل اليه أو معرفة أو فلسفة ما . فليس هناك أحكام مطلقة ولا نظريات ثابتة لا في الديانات ولا في قوانين الطبيعة . دائماً هناك نظرة ثالثة متجددة للعالم . ربما هذا هو الفارق بين الفكر التقليدي المتحجر ، وبين الفكر المتطور والمتجدد . فلاسفة الفيزياء الكونية يرون العالم ، وكأنه قرص سي دي مدمج ، وفلاسفة الأديان يرون العالم من خلال نصوصهم . وما بين هذا وذاك يقف الإنسان حائراً بين البصر والبصيرة ، بين الظاهر والباطن . لكن في كلا الحالات يبقي عامل الخوف والقلق هو الذي يحتضن جوهر الإنسان . لذا هنا ربما أن الجنة الموعودة هي الحل الأمثل في محاولة التخفيف من وقع الجواب الصادم ، حول سر الوجود لبعض الناس . ترى هل هناك " مشاعية " وجنة تتحقق فيها كل العدالة التي جرى تصويرها في العقائد ..؟
رغم حالة الإكتئاب والملل الروتيني التي يمكن أن تصيب المرء من حياة أخرى بلا هدف ، لكنها خير من نار لا تبقي ولا تذر . هنا الخيار الأخر الذي وضعت فيه العقائد الإنسان أو لنقل الأرهاب الفكري الذي مارستة مقابل عملية تطويعة وتدجينة . إما الجنة بإتباع هذه التعاليم ، أو النار إذا تمردت عليها .. وجواب الإنسان البسيط واضحاً جنة عرضها كعرض السماوات والأرض . لكن ما هو عرض السماوات والأرض ..؟
جنة تتضمن حرية جنسية مطلقة الغرائز ، ومساواة ذكورية ، ونعيم دائم ، لا ليل ولا نهار .. ولا فصول أربع . ما أجمل هذه الحياة الأخرى ؟؟[/size]