رؤى
عدد المساهمات : 92 تاريخ التسجيل : 14/08/2010
| موضوع: روبيرت هاريس على أطلال Pompeii 11/10/10, 05:04 pm | |
|
حسين السكّاف*أربعة أيام فقط هي زمن الرواية التي تتحدث عن إحدى أغرب الكوارث الطبيعية التي عرفها التاريخ. إنها قصة الأيام الأخيرة من عمر مدينة طمرتها الحمم البركانية وأهلكت سكانها في أقل من يومين. كان ذلك عام 97 ميلادياً، وظلت المدينة طي النسيان حتى القرن الثامن عشر عندما اكتشفت آثارها وعثر على سكانها الذين تحوّلوا إلى جثث متحجرة أشبه بتماثيل اسمنتية بفعل الغبار البركاني. ليس للرواية أي علاقة بمدينة “بومبي” أكبر مدن الهند التجارية، بل هي تتحدث عن (بومبي Pompeii) الإيطالية الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، لكن، كيف لروائي مثل روبيرت هاريس الذي عرف عنه اهتمامه الكبير بأدق التفاصيل، أن يكتب رواية مدينة مطمورة لم يخرج منها أحد؟ إنه البحث المضني إذاً، وهذا ما يجده القارئ بالفعل في روايته «بومبي» الصادرة حديثاً بنسختها العربية عن «شركة المطبوعات للتوزيع والنشر». الرواية التي صدرت بنسختها الإنكليزية عام 2003 تتحدث عن بومبي Pompeii المدينة التي كانت عامرة فترة حكم الإمبراطور نيرون والسنوات القليلة التي تلت موته. الرواية التي اعتمد مؤلفها على العديد من الكتب العلمية بالبراكين، تبدأ بمشهد رتيب شبه صامت يصوّر مجموعة من العمّال وهم يسيرون قبل بزوغ الفجر لاستكشاف بئر ماء جديدة، تحت رئاسة المهندس أو الساقي الشاب أتيليوس بطل الرواية والمسؤول الجديد عن شبكات الري. لكنها سرعان ما تتجه إلى حدث درامي مروّع، حين نرى أمبلياتوس – الذي ولد عبداً، ثم صار حراً وأغنى أغنياء المدينة المتنفذين – وقد قرر إعدام أحد عبيده برميه طعاماً لأسماك الأنقليس المتوحشة. طريقة عقاب ورثها عن سيده السابق الأرستقراطي فيديوس بوليو الذي كان يرمي بالخدم في بحيرته عقاباً لهم على كسرهم الصحون. من خلال المشهد المروع هذا، تبدأ قصة حب بين المهندس الشاب وكوريليا ابنة أمبلياتوس التي استنجدت بالمهندس لينقذ العبد من الموت. كل الشواهد والظواهر التي جاءت بها الرواية، كانت تنذر بوقوع كارثة عظيمة، إلا أن شخوصها كانوا منشغلين بقلقهم حول انقطاع مياه الشرب واختفاء الساقي السابق، الذي نكتشف فيما بعد أنه مات بفعل الغازات السامة المنبعثة من شقوق الجبل الذي كان يعد نفسه للانفجار حين قرر الساقي التقرب منه لدراسة احتمال ثورانه. وإن المياه انقطعت بفعل الاستعداد نفسه حيث تحركت الأرض في مكان قريب وحطمت الأنابيب… حقيقة نكتشفها وسط أحداث الرواية، حيث نصفها الأخيرة الذي يحكي لنا قصة البشر والأرض أثناء الانفجار البركاني، ليصوّر لنا حالة الإنسان الأوربي القديم الغارق في إيمانه المنقاد وراء العديد من أساطير الآلهة. حيث لكل ظاهرة إله، وكان للبراكين إلهها الخاص، إلا أن إيمانهم ذاك لم يقدهم إلى الحيطة من ثورة البركان بل راحوا يفكرون بإرضاء الآلهة أكثر من التفكير بالطرق العملية لخلاصهم… فهم يعيشون الخرافة بامتياز، في حين أن الخطر محدقاً بهم، كانوا يتلمسون الخطر، ولكنهم لا يمتلكون من البدائل سوى إيمانهم بالغيبيات… “كان فولكان (إله البراكين) يعيش في كهف تحت جبل ويبعث نيران مبيدة إلى الأرض، وتخشاه جميع المخلوقات ما عدا الأسماك. وبما أن الآلهة مثل البشر ترغب كثيراً بالأشياء التي يصعب الحصول عليها، وجب إرضاؤه بتقديم أضحية من الأسماك تُرمى وهي حية على محرقة مشتعلة.” ورغم هذا فقد بدأت الأرض تهتز قليلاً وظل هناك من يفكر بتقديم النذور… “يجدر بنا التضحية بثور أبيض “لجوبيتير” كونه إله الهواء العلوي، ولنجعل العرّافين يدققون في أحشائه. سوف يخبروننا ما عسانا نفعل.”… ولكن ماذا قالت العرافة بعد أن التجأ لها كبار رجال المنطقة؟ أخبرتهم بأن “مدينة بومبي ستحظى بشره عالمية كبيرة تبقى عالقة بأذهان الناس مئات السنين…” فهللوا فرحاً وآمنوا بأن كل مخاوفهم ليس لها أساس، فالعرّافة منحتهم الأمل، فقرروا: “لنشيع نبوءة العرافة بين الناس وندخل في قلوبهم السرور والفرح…” ولكن نبوءة العرافة قد تحققت بالفعل، فمدينة “بومبي” ظلت عالقة في أذهان الناس وكتب التاريخ حتى يومنا هذا، ولكن ليس بمجدها، ولكن بخرابها… ربما، لو قُدر للمخرج رومان بولانسكي أن ينجز فيلمه المأخوذ عن هذه الرواية كما كان ينوي في السابق، لكنّا رأينا أضخم إنتاج سينمائي يشهده العقد الأول من الألفية الثالثة كما أعلن عنه في حينها. لكن توقّف المشروع حرمنا هذه المتعة التي قدمها لاحقاً بولانسكي في «الكاتب الشبح» المقتبس عن رواية هاريس «الشبح»، علما بأنّ الشريط فاز هذا العام بجائزة «الدب الفضي» لأفضل مخرج خلال «مهرجان برلين السينمائي».* حسين السكاف – كاتب وناقد فني مقيم في كوبنهاجن halsagaaf@hotmail.com | |
|