فاروق السامعي
عدد المساهمات : 174 تاريخ التسجيل : 14/08/2010
| موضوع: جمهورية الحرية نظام راقٍ في جمهورية تطالب بإسقاط النظام 06/03/11, 05:05 pm | |
| فاروق السامعي
خرجوا دون موعد، ولم تكن الصدفة، لكنهم صمدوا ورابطوا ويتطلعون إلى النصر الذي اجتمعوا من أجله واجتمعوا عليه.. كسروا حاجز الخوف في دواخلهم ودواخل الناس، وليس لديهم ذرة شك يمكن أن تحول بينهم وبين تحقيق ما خرجوا من أجله واجتمعوا له. . لا يبحثون عن الحوار، ويرفضون كل من يريد أن ينوبهم في فعل ذلك، أو يزعم تمثيلهم، هنا الساحة مفتوحة للذوات المفردة التي تمثل نفسها، ولا يتسع لحزب مهما كان موقفه من النظام، هنا تنتفي الأيديولوجيا وتذوب الانتماءات التنظيمية والمناطقية والمذهبية، هنا فقط ، أنا ، أنت ، نحن: الشعب يريد إسقاط النظام وبصراحة أكثر لا يقاربها خوف «ارحل». ناموا على الرصيف المفتوح، وتحرشت بهم الهراوات والعصي الأمنية، وطالتهم الاعتقالات وهجمات البلاطجة، لكنهم بصدورهم المفتوحة صمدوا أمام كل ذلك، ولم ينجروا لفخ العنف الذي حاول الطرف الآخر سحبهم إليه، ليرسموا نموذجاً راقياً للثورة تحاول الآن المحافظات الأخرى الاقتداء به. صهروا كل أحلامهم وأمانيهم في مطلب واحد لا شريك له، مطلب لا يذهب إلى أبعد من إيقاف عجلة العداد عند الرقم (33) وخلعه مع توابعه الآن كهدف وحيد غير قابل للحوار أو مطروح للتفاوض، ولا خيارات أخرى. «ثورتنا ثورة شباب .. لا حزبية ولا أحزاب» بهذا الشعار دشن الشباب ثورتهم وإن تعدته الآن بعد انخراط مختلف شرائح المجتمع من مختلف الأعمار، ولكنها حافظت على طابعها الذي التزمت به في طريقها إلى إسقاط النظام والحصول على الحرية « سلمية سلمية». ثورة بيضاء وبلاطجة هكذا ولدت وهكذا هي الآن، ثورة بيضاء تماماً لم يعكرها سوى اعتداءات البلاطجة لكنهم بأرواحهم الشابة المتطلعة للتغيير والانعتاق والحرية وقفوا يداً واحدة في وجه القمع والعنف والبلاطجة، وكذلك في وجه الأحزاب التي سرقت ثورتهم أو التي تحاول المزايدة بها أو التي تريد أن تركب موجها وتتسلط عليها وتوجهها بعيداً عن وجهتها التي خلقت لأجلها. ليست مجرد ساحة بل هي دولة.. هذا هو الوصف المناسب الذي يمكن أن يطلق على ساحة الحرية بتعز، التي منحها الشباب بإصرارهم وثبات إرادتهم، دولة لا يحكمها النظام الذي يطالبون بسقوطه كشرط وحيد لفظ ثورتهم السلمية، جعلوا منها دولة نظام حقيقية دستورها النضال والحب والألفة. دولة عدد سكانها عشرات الآلاف وأحياناً مئات الآلاف وعشرات الخيام، تعاهدوا على عدم العودة حتى تحقيق مطلبهم أو تصعيد ثورتهم للوصول إليه. س حضور ثوري لافت للمرأة عشرات من الأسر تركت سجن منازلها وأتت لساحة الحرية من أجل المشاركة بالثورة جنباً إلى جنب مع إخوانها وأبنائها، العلم الوطني يعلو كل الهامات ويسكن الخدود والجباه، والحناجر تلهج بحب الوطن والانتماء إليه والحرص الكامل على وحدته وإسقاط النظام، هنا تشعر بحلاوة وحماس النشيد الوطني أكثر عندما لا يكون إجبارياً. أي حماس خلقته الثورة في هؤلاء الشبان، وأي إخلاص ووفاء وحب زرعته فيهم، وكأن هذه الثورة طبعتهم بأخلاقها، جيل سوف تفتخر فيه اليمن على مدى التاريخ وهو يرسم تاريخاً جديداً لها. حكومة متطوعين بمجموعة لجان تطوعية شكلت حكومة الثورة في جمهورية ساحة الحرية، ولا تعتبر هذه اللجان بمثابة قيادة للثورة، بل لجان عمل تؤدي دوراً وظيفياً، هدفها سلامة وأمن وتنظيم وتسكين وتغذية المعتصمين. هنا النظام والأمن فوق كل شيء، ولا وجود لمن هم فوق النظام، ولا يوجد هامش ممكن لاختراقه وتجاوزه. لجان أمنية ولجان نظام تؤدي واجبها على أكمل وجه تحت لسعات الشمس ووسط الرياح تتبادل نوباتها على مدى 24 ساعة دون ملل، فقط من أجل المشاركة الفاعلة في صنع ثورة التغيير. إنهم يعيدون كتابة التاريخ اليمني وتصحيح مساره الذي انحرف، أو يكتبون تاريخاً جديداً يليق بمكانة اليمن وسمعتها التاريخية والحضارية رغم أنهم لا يفكرون بذلك ومنشغلون عنه به، جيل خرج من الشوارع الخلفية والضواحي والأرياف وصفحات النت، بعد أن ساهمت ثورات الشعوب العربية المقموعة في خروجهم عن دائرة الصمت والجدران المغلقة والفضاء التخيلي إلى واقع الشوارع والساحات المفتوحة وإعلان رفضهم للجمهوريات الملكية وملوكها الرؤساء. ابتسامات واثقة بوجوههم التي شوتها الشمس وعبثت بها الأتربة والرياح، وحماس يكاد يقفز من ابتسامتهم وحركتهم الدائمة في أداء المهام الموكلة لهم، يصرون أنهم مجرد عمال يجمعهم هدف إنجاح الثورة والوصول بها إلى بر السلامة والأمان والحفاظ على دماء الناس وأرواحهم ولا هدف آخر لهم أو مطمع. التفتيش الدقيق في مداخل الشوارع والأزقة المؤدية للميدان لا تستثني أحداً ومهما كانت مكانته، حتى أعضاء اللجنة ذاتها يخضعون لذلك، جاؤوا دون تدريب أو تأهيل مسبق لذلك، ولكنها الثورة والحماس الذي أشعلته في أرواحهم جعلتهم أمام أعين العالم مدربين وكانوا خير بديل لرجال الأمن الذي يمررون العصي والهراوات والأسلحة والقنابل والبلاطجة. جمهورية وإذاعة محلية هنا تشعر بالجمهورية التي قامت من أجلها الثورة وغابت منذ أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً، الشعب يلتزم بالقوانين التي فرضتها الثورة ويحترمونها كما يفعل القائمون على تنفيذها واللجان تعرف مهامها ومواقعها، يجعلك تحس أنك في خلية نحل. كل شيء يسير لما خلق له، لجان مالية وصندوق وتنظيم وأمن وإعلام وتغذية وتسكين ورصد وتوثيق وكهرباء ونجارة، ولجان طبية وحقوقية وتوعية وإرشاد ولجنة أمانات. وللساحة إذاعة داخلية وشاشات عرض، يميز هذه الإذاعة أنها دائمة البث الحي والمباشر من الساحة نفسها والمشاركين فيها وتتوقف عند أوقات الصلاة وفي الساعات الأولى للفجر توقف مكبرات الصوت احتراماً لهجعة السكان المجاورين. ويعد مسرح الإذاعة المفتوح على المعتصمين والمنقل إليهم عبر شاشات الساحة مساحة عرض مفتوحة لكل الطاقات والإبداعات التي فجرتها الثورة، أو التي كانت مقموعة بفعل الكبت السابق لها، هنا لا عوائق أو موانع يمكنها إجهاض ولادة نص ثوري أو صوت ثوري أو يمكن أن يحول دون وصوله إلى منصة الحرية والجمهور الحر، لا وساطات أو رشاوى أو محسوبية، ولا صوت يعلوا فوق صوت الثورة والشعب. نجاح الثورة وسقوط الرهان راهن البعض على فضل الثورة من الداخل، كونها ضمت أطيافاً شبابية كانت تتشكل غايتها التغيير، مستندين أنها تدار من قبل بعض الأحزاب التي ستحاول سرقة الثورة ونسبها لنفسها ولشبابها، وهو الأمر الذي سيظهر على شكل خلافات وصراعات تؤدي إلى الانقسام ثم الارتداد عن الفعل الثوري. لكن هذه الرهانات سقطت بمجرد أن تماهت تلك التشكيلات وذابت في أتون الثورة الشعبية واندمجت بها ولم تستطع الأحزاب الخلفية فرض إرادتها على الشباب الثوري. لقد فضلت كل التشكيلات الثورية وشبابها الحفاظ على واحدية الثورة وتجذرها دون البحث عن مكاسب شخصية أو تنظيمية، وأدركوا أن البطولة الحقيقية هي في العمل الميداني، وليست المعارك الوهمية على واجهات الصحف والأقنية الإعلامية وأن القيادات أو التي ستكون كذلك سيخلقها الميدان وليس ما يدار من خلف الكواليس والاجتماعات الفائضة. أحزاب أمنية عندما عجزت الأجهزة الرسمية ومؤسساتها الأمنية عن فض الاعتصامات وإعادة المعتصمين إلى منازلهم وبكل الوسائل التي استخدموها معهم لجأوا لأحزاب اللقاء المشترك وقياداتها على مستوى المحافظات. يدرك النظام الحاكم جيداً أن هذه الأحزاب تملك قدرة جيدة في إنزال أعضائها ومناصريها إلى الشارع، ولكنها لن تجازف في تثويرهم أو دفعهم إلى ثورة شعبية تطالب بإسقاط النظام علناً، ويعلم أيضاً أن أملاً ما يحدوها ويحجم دورها الشعبي يتمثل فيما يمكن أن تجنيه من فتات السلطة وتحصل عليه عبر صفقة حوار مزعوم يدار في الغرف المغلقة. حالة المراوجة في علاقة هذه الأحزاب مع النظام، وخوفها من أي فعل ثوري قد يؤدي إلى إقصائها بمعية خصمها السياسي، وتفضيلها المشاركة بالسلطة وبأي قدر قد تجود به السلطة عليها على حسب أي مشروع ثوري قد تقود واحدة من نتائجها السلطة إليها منفردة، كل ذلك دفع النظام لاستخدام خصومه من أجل إجهاض مشروع الثورة. في اجتماع مدير أمن تعز مع قادة المشترك تبرأ أحدهم من أعضائه واتهمهم بالتمرد ـ مدافعاً عن نفسه فيما اعتبره اتهاماً له ـ بينما حاول البقية المزايدة بأسماء المعتصمين وزعمهم غير المباشر سيطرتهم عليهم وعلى الوضع. لكنهم أيضاً عجزوا.. ولم يحددوا موقفهم بعد من ثورة الشباب أو يدعوا أعضاءهم للانضمام إليهم رغم وجود بعض المحاولات لهم في سرقة الثورة وقيادتها نحو الاتجاه المعاكس الذي يؤدي فقد إلى الارتداد عنها. انضمت لثورة تعز شرائح المجتمع المختلفة وأعضاء أحزاب المعارضة وأعضاء الحزب الحاكم وقيادات محلية وأسر وأطفال وجيش وأمن ومخبرون فما الذي تنتظره هذه القيادات لتعلن انضمامها لهم، ربما فقط إشارة ضوء أخضر من النظام . في الحرية رضع وشهداء ومحتجزون قسرياً ساحة الحرية تحفل بتفاصيل حياة يومية متجددة، وأصبح الذهاب إليها يومياً واجباً مقدساً في أجندة أبناء المحافظة، وتستقبل كل يوم عشرات الوفود القادمة من المحافظات القريبة والبعيدة لمشاركتهم في مطلبهم وإعلان التأييد والمناصرة. كثير من النقابات والاتحادات والروابط الاجتماعية والجمعيات نصبت خيامها وأعلنت بوضوح أنها جزء من الثورة ومع مطلبها الوحيد الذي يدعو لسقوط النظام ورحيل الحاكم. وكما حضرت الأسر حتى بمعية الأطفال الرضع للمشاركة في صنع مستقبل أفضل لكل اليمن واليمنيين حضر أيضاً الشهداء والمعتقلون والثوار المنسيون والمغيبون في سجون النظام منذ عقود في شكل صور ولافتات حملها ذووهم وأقاربهم. لقد أصبحت ساحة الحرية شاشة فاضحة لجرائم النظام، وملفات دامية حاول التستر عليها وإخفاءها، إنها ببساطة سجلات جرد ديون متراكمة للنظام أنكر بعضها ورحل البعض الآخر وجاء دور الحساب على ما يبدو. لقد حضر الزبيري وعبدالمغني وعبدالرقيب عبدالوهاب والوحش للشهادة على بداية فك ارتباط الثورة بالجمهورية، حضر الحمدي وعشرات ممن راحوا ضحية للنظام وأجهزته وبلاطجته.
| |
|